صحيفة الشرق

ضرورة الالتزام بالتباعد الجسدي والإبقاء على التواصل الاجتماعي

ضرورة الالتزام بالتباعد الجسدي والإبقاء على التواصل الاجتماعي

12 مايو 2020

أكد مركز دعم الصحة السلوكية على ضرورة الالتزام بالتباعد الجسدي والابقاء على التواصل الاجتماعي، وبين المركز في دراسة بهذا الخصوص أنه يُتداول بين الناس في أيامنا هذه مسميات واصطلاحات تتماشى مع الحدث الأساسي في العالم ( كوفيد-19)، ومن تلك المصطلحات مصطلح التباعد الاجتماعي، الذي انتشر بشكل ملفت سواء عند أهل الاختصاص أو عامة الناس، وتناولته بكثافة وسائل الإعلام المختلفة نظراً لأهميته في الحد من انتشار هذه الجائحة وهذا الوباء الذي يهدد البشرية بدون تمييز.

وقد أثار مصطلح “التباعد الاجتماعي” نوعاً من الجدل والنقاش بين الناس حول فكرة التباعد وربطها بالحياة الاجتماعية أو بمستوى العلاقات الاجتماعية. وما تحملها من دلالات سلبية يمكن تفسيرها تفسيراً خطأ وتأويلها بعيداً عن المعنى، فالفرد مدنيٌ بطبعه، ولا يستطيع أن يعيش بدون أن يخالط من حوله والمحيطين به من أسرته أو مجتمعه، فالتواصل متواجد بين الأفراد والمجتمعات بشكل أو بآخر. وعلى هذا فإن القصد من التباعد الاجتماعي ” Social Distancing” بكل بساطة هو تلك المسافة الصحية التي تقينا وتحمينا من انتشار الوباء، وليس المقصد ما يعرف باسم “الاستبعاد الاجتماعي” “Social Exclusion”، والذي يقصد به “حرمان الأفراد من حقوق المواطنة المتساوية على كل المستويات، كالمشاركة في الإنتاج والاستهلاك، والتفاعل الاجتماعي، و الفرص التي تعزز الوصول إلى الموارد واستخدامها، وهذا المصطلح بمعناه خارج حديثنا في هذا المقال. ولحل هذا الإشكال فقد اقترحت منظمة الصحة العالمية مؤخراً اعتماد مصطلح “التباعد الجسدي” كبديل لإنهاء هذا الجدل القائم.

وعلى العموم فإن مصطلح ” التباعد الاجتماعي” تم استخدامه قديماً، كنوع من الاجراءات المتخذة سابقاً على الأوبئة التي تفشت وعمَ خطرها آنذاك، وقد أشارت منظمة الصحة العالمية بذات الخصوص إلى ما يعرف بالتباعد الاجتماعي “الصحي” بشتي أنواعه، ومدى فاعلية استخدامه واتباع خطواته للحد من انتشار الأوبئة المعدية، وهذه الخطوات تتم على أرض الواقع بآليات واستراتيجيات، فعلى الصعيد العام من خلال تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات، إغلاق المساجد، فرض القيود على بعض الناس، ومنها كذلك تعطيل قسم كبير من المرافق الاقتصادية الحيوية، كغلق المجمعات التجارية، ومنها تعليق الرحلات الجوية إلى إشعار آخر، ومنها إجراءات المسافة الصحية التي يتم تطبيقها في جميع المرافق الضرورية التي يقصدها الناس، وغير هذا كثير، قد تصل إلى أغلاق بعض المدن ومنع دخولها والخروج منها، وأما على الصعيد الشخصي فهي بالإلتزام بالجلوس بالمنزل وعدم الخروج إلا للضرورة، والامتناع عن التجمعات والزيارات العائلية وغيرها، وكل هذا داخل في ماهية التباعد الاجتماعي الرامي لمنع انتشار الأوبئة.

وها هي تتجدد دعوات المختصين لإجراءات التباعد الاجتماعي كأهم إجراء استباقي صحي يحمي الفرد من الإصابة بالوباء، ويقي العلم من تداعيات وخيمة على الأنفس والأموال، وينظر العلماء اليوم ومنهم الدكتور الأمريكي ” Carl T. Bergstrom ” عالم الأحياء الحسابي من جامعة واشنطن، إلى أهمية هذا الإجراء الاستباقي (التباعد الاجتماعي) وقدرته وسعة استيعابه للرعاية الصحية من خلاله للتعامل مع أي وباء محتمل، ويرى أن التعامل مع انتشار الوباء بعقلية طوارئ الصحة العامة الاستباقية والحفاظ على المسافة الاجتماعية والتباعد الاجتماعي أمر حتمي.
هذه التدابير الصارمة التي تُعرف الآن بـ”التباعد الاجتماعي” أبقت تعداد وفيات مرضى الإنفلونزا في سانت لويس أقل من نصف تعداد الوفيات في فيلادلفيا، وفقاً لورقة بحثية نشرت عام (2007م) من طرف صحيفة “Proceedings of the National Academy of Sciences”.

واليوم نشاهد جمهورية الصين التي بادرت بهذا الإجراء الاستباقي الصحي، وكيف أغلقت مدنا بكاملها، وكيف أضحى الوضع عندهم بخصوص الحد من انتشار الجائحة مقارنة بالدول الأخرى التي تهاونت في الأخذ بــ “التباعد الاجتماعي”.
ولقد بادرت ولله الحمد، دولتنا باتخاذ جميع إجراءات ووسائل التباعد الاجتماعي السابقة الذكر، وبشكل خاص تلك الجهود المبذولة في تعطيل النقل الجوي المدني، وحصره في إرجاع الجاليات القطرية المتواجدة خارج الوطن من جميع الدول بدون استثناء، مع معية تبعات هذا العزل، حيث وفرت الدولة فنادق لائقة لهم لمدة 14يوما، مجهزة بكل ما يلزم من كادر طبي وآخر مدني، يحرصون على خدمتهم وراحتهم.
وفي الختام؛ لا نختلف أن ” التباعد الجسدي” أمر غير مألوف ولا يستساغ في مجتمعنا خاصة على ما أعتدناه في حياتنا اليومية، و لكن مع التقنيات الحديثة المتوفرة التي أنعمها الله علينا، يمكننا في الوقت الحالي الاستعاضة عن التواصل الجسدي بالتواصل الحسي عبر التواصل عن بعد مما يتيح الحفاظ على التواصل الاجتماعي مع توفير الحماية المطلوبة، بل أن التواصل عند بعد الآن يعد أمراً ضرورياً حتى لانشعر بالعزلة، فالتواصل اليوم مهم أكثر من أي وقت مضى.

https://al-sharq.com/article/19/10/2019